الشخصية المثالية…عندما يتحول هوس النجاح إلى طريق للفشل

17 يونيو / 2021


Notice: Trying to access array offset on value of type bool in /home/u759968334/domains/almaqala.net/public_html/wp-content/plugins/sitepress-multilingual-cms/sitepress.class.php on line 4222

Notice: Trying to access array offset on value of type bool in /home/u759968334/domains/almaqala.net/public_html/wp-content/plugins/sitepress-multilingual-cms/sitepress.class.php on line 4222
Spread the love

\ سارة خليل \

رغم أن البعض قد يعتقد بأن المثالية أمرٌ رائع، وأنها تجعلك جذابًا ومميزًا، إلا أن الأمر في حقيقته مختلف بشكل كبير. فأحيانًا تكون المثالية مشكلة يعاني منها صاحبها، قد تصل به لمرحلة الاضطراب النفسي الذي يحتاج إلى علاج، ليتحول الأمر من شخصٍ يسعى للقيام بعمله على أكمل وجه، ويسعي نحو تحقيق النجاح بكل ما يمتلك من إمكانيات، وشخص يسعى للدقة في العمل والنظام والالتزام، إلى إنسان مهووسًا بالكمال، وتحقيق النجاح المثالي تحت أي ظرف، وهو الأمر الذي قد يصل به للفشل ذاته.

وفي هذا المقال سنتعرف على الشخصية المثالية أو الكمالية، وكيف يتحول سعيها للمثالية إلى هوس يُودي بها.

  • من هي الشخصية المثالية أو الكمالية؟

المثالية أو كما يُطلق عليها الـ Perfectionism، هي سمة شخصية يسعى فيها الفرد بشكلٍ دائم إلى الوصول للكمال، وعدم الوقوع في الأخطاء والعيوب بأي ثمن، وتقييد نفسه بمعايير مستحيل تحقيقها، وأهداف غير واقعية، تجعله باستمرار غير راضٍ عما حققه في حياته، وهو الأمر الذي ينتج عنه العديد من المشاكل والاضطرابات النفسية، كالاكتئاب، والقلق، والتقليل من الذات، وصولاً إلى الميول الانتحارية في بعض الحالات، وهي عادة ما تُصيب المراهقين والشباب.

وقد يصل الأمر بالشخص المثالي إلى أن يتوقف عن السعي ومحاولة النجاح، نتيجة الإحباطات المتكررة، من كونه لا يصل للمثالية والكمال الذي يسعى له، ويبدأ في رؤية نفسه إما ضحية للمجتمع، أو أنه شخصٌ فاشل، غير قادر على النجاح.

  • كيف تصبح المثالية صفة رائعة في الإنسان؟

هناك بعض الحالات التي تكون فيها المثالية صفة إيجابية محمودة، عندما يصبح لدى الإنسان احترام للذات، ووضع أهداف منطقية يمكن تحقيقها، وكذلك قدرته على الموازنة ما بين المطلوب منه، وبين ما هو قادر بالفعل على القيام به، دون الوقوع تحت الضغط، وكذلك عندما يكون قادر على ترتيب أولوياته، بالشكل الأكثر قيمة بالنسبة له، ويتمكن من الحُكم الجيد والحكيم على عمله، وتحسينه وتطويره، ونقده بالشكل البنَّاء وليس الهدَّام.

وكذلك قدرته على التعلم من أخطائه، والاعتراف بالمشكلة ليتمكن من حلها، والقدرة على تجاوز عَثراته وفشله، ويتحمل المسؤولية، ويتجاوز خيبات الأمل، ويفكر في المستقبل.

  • متى تتحول المثالية لهوس مرضي؟

يعاني الفرد ذو الشخصية المثالية من العديد من المشكلات والأزمات، التي تُعيق تقدمه ونجاحه، بسبب بحثه الدائم عن الكمال الذي يتمنى أن يتحقق، فيقوم الشخص ببعض السلوكيات، وتظهر عليه بعض الصفات التي تزيد الأمر سوءًا، فيشعر بالإحباط الشديد إذا لم يحقق العلامة الكاملة، حتى وإن حقق الكثير من الأشياء الرائعة، ويكون لديه صعوبة بالغة في الاسترخاء والحصول على قسطٍ من الراحة، ولا يكون قادر على تجاوز فشله بسهولة، مما يدفعه للمماطلة وعدم القيام بالعمل من الأساس، لأنه يشعر بأنه لن يحققه بشكل مثالي، ويحاول أن يُجنب نفسه مشاعر الألم والحزن.

لا يحب تغيير طريقته وأسلوبه في العمل، ولا يكون لديه القدر الكافي من المرونة، وكثيرًا ما يتشبث برأيه، ولا يعدل عنه بسهولة، وكذلك نراه يبالغ في تقدير الأشياء، ويهول من الأمور، ويعطيها أكبر من حجمها الطبيعي، ونراه يهتم بالنتائج فقط، دون النظر إلى الخبرات التي اكتسبها مثلاً في رحلة عمله، فهو إن لم يحقق النتيجة التي يتخيلها ويسعى لها كما خطط لها بالضبط، لا يستمتع بأي شيئ آخر، ويكون قاسي جدًا في نقده لذاته وللآخرين من حوله، فهو كما يريد هو الوصول للمثالية، يطلب من الآخرين كذلك الوصول لها.

ويهتم لرأي الآخرين به، ومدحهم له، وإذا لم يحصل عليه كما يريده، يشعر وكأنهم لم يمدحوه أصلاً، كما أن لديه روتين خاص به لا يرضى أبدًا بتغيير أي شيئٍ فيه، ويُصاب بالتوتر والقلق والغضب إذا تغيرت الخطة التي وضعها مُسبقًا، كما أنه لا يثق بأحد، لأنه يرى أنه لا أحد سيقوم بالعمل بشكل مثالي كما سيقوم به هو.

كما أننا نلاحظ على صاحب الشخصية المثالية أنه يكون لديه صعوبة بالغة في إتخاذ القرارات الهامة، ويعاني معاناة كبيرة جدًا مع القرارات المصيرية المتعلقة بحياته ومستقبله، وذلك لأنه يخاف من الشعور بالندم، ويجلد ذاته باستمرار ويتهمها بالفشل، كما أنه يحتفظ بالكثير من الأشياء القديمة التي لا قيمة لها، ظنًا منه أنه قد يحتاجها فيما بعد.

  • ماذا تفعل لو اكتشفت أنك تعاني من اضطرابات الشخصية المثالية؟

الأمر عبارة عن مراحل مختلفة ومتدرجة، ففي حالاتها القصوى قد تحتاج لزيارة طبيب نفسي، يتولى عمل جلسات علاج معرفي سلوكي لك، وهو أقرب للعلاج بالكلام، وقد يتطلب الأمر تناول بعض العقاقير الطبية في حالة الاضطراب الشديد. أما في حالة كونك تعاني فقط من بعض السلوكيات التي تُعيقك، وتمنعك من التقدم في حياتك، أو التأقلم مع الظروف المحيطة بك، فعليك إعادة النظر في سلوكياتك اليومية، ومحاولة تجنب السلوكيات التي سبق وأن ذكرناها.

ويمكنك الاستعانة بأحد أقاربك أو أصدقائك، لمراقبتك وتنبيهك، شرط ألا يكون شخصية مثالية هو الآخر، وعليك الحرص على الاستمتاع بكل ما تحققه، حتى وإن كان إنجازٌ بسيط من وجهة نظرك، وأن تُكافئ نفسك عليه، وأن تقوم بالأشياء التي تحبها، وتساعدك على الاسترخاء.